نفث الشوق في قلبي حرّه ونيرانه ‘ فاتقدت ذاكراتي بمصباح قديم غطته السنين بغبار الأيام والبعد ‘ فأنار زاوية من زوايا وجداني كنت خبأت بها أجمل الذكريات للربيع وسحره بلدي الحبيب سوريا ‘ ففاض الخاطر كنبعٍ من حنين فأروى قلبي ببرد تلك الذكريات فكتبت هذه القصيدة ( وهي منذ زمن بعيد ) ولكن قدوم آذار وعرسه الجميل جعلني أقدّم هذه القصيدة أرجو أن تنال إعجابكم ....
فيا أيها الأحباب بلغوا من السلام لكل زهرة ، لكل عصفور ، كل نسمة ، كل نهر ، كل حقل ، كل شجرة في هذا العرس الجميل عرس الربيع ......
سِحْرُ الرَّبِيع
هَا قَدْ أَتَيْتَ مِثْلَ طَيْفٍ سَاحِرٍ .... تُلْقِي الجَمَالَ ثَوْبَهُ المزْدانا
تُلْقِيْهِ فَوْقَ كُلِّ حقْلٍ مجْدبٍ .... تَكْسُوهُ حُسْناً ، فِتْنَةً ، أَلْوَانَا
فَيَصِيْرُ مِنْ حُسْنٍ كَأَنَّ رِدَائَهُ ..... يَكْسُو الشَّبَابَ الفَارهَ الرَّيَّانَا
و كأنَّهُ أضْحى لِحُسْنِ نَضَارهِ .... وَبَهَائِهِ خَرَائِداً تَلْقَانَا
يَحْكِي الفُتُونَ بِكُلِّ غُصْنٍ مَائِلٍ .... وَيَرَى بِعَيْنِيْ نرْجِسٍ نَعْسانَا
لَمَّا رَأَى ثَوبَ البَهَاءِ يَلُفُّهُ .... وَالطَّيْرُ غَنَّتْ لِلرُّبَى أَلْحانَا
وَالنَّهْرُ صَفَّقَ لِلزُّهُورِ حَوْلَه ... لَمَّا شَذَاهَا عانقَ الريحانا
أَخَذَ الغُرُورُ بِسَمْتِهِ ثُمَّ مَشَى .... مُتَرَنِّحاً مُتَغَطْرِساً نَشْوَانا
فَتَبَسَّمَتْ شَمْسُ الصَّبَاحِ لِسُكْرِهِ .... فَسَقَتْهُ مِنْ خَمْرِ الضياءِ دِنَانا
فَأَنَارَتِ الأَرْضَ الفَسِيْحَةَ حَوْلَهُ .... ثُمَّ اكْتَسَتْ أَزْهَارُها تِيْجانا
مِنْ أُقْحُوَانٍ أَصْفَرَ اللَونِ مَعَ ... لونِ البياضِ فزَادَهُ إتْقانَا
فَكَأَنَّما أَلْقَيْتَ فِي وَضَحِ الضُّحَى .... حِلْيَ العَرائِسِ فانْبَرَى لَمَعَانَا
وَشَقَائِقُ النُّعْمَانِ خَجْلى مِثْلمَا .... خَدُّ العَذَارَىْ لَو بَدَا خَجْلانَا
عَاشِقَةٌ وَلْهَانَةٌ تَهْوَى النَّدَى ..... تَلْقَاهُ صُبْحاً بِالصِّبَا مَلآنَا
فتنالُ مِنْ لَثْمِ الشِّفَاهِ سَاعَةً .... ثُمَّ تُوَدِّعُ عِشْقها الوَلهَانَا
فَتَقُوْلُ لا تَنْسَ غَداً إِنِّي هُنَا .... أُحْصِي الثَّوَانِي أَشْتَكِي الحِرْمَانَا
فَتَعَالَ أَطْفأْ مِنْ حَرَارَةِ صَبْوَتِي .... جَمْراً بَدَا فِي وَجْنِتِي نِيْرَانَا
وَتَأَنَّقَتْ أَشْجَارُنا فِيْ ثَوْبِها .... وَتَعَطَّرَتْ لِتُزَيِّنَ البُسْتَانَا
مِنْ سُنْدُسٍ قَدْ شَابَهُ زَهْرٌ لَهَا .... غَطَّى القِوَامَ جَمَّلَ الأَغصَانَا
فكأنَّها الحُوْرُ أَقَامَتْ بَيْنَنَا ..... واخْتَارَتِ الرَّوْضَ البَدِيْعَ مَكَانَا
جِيْرَانُ صَفْوٍ وَالهَوَى يَحْدُو لَنَا ..... أَنْعِمْ بِهَا وَقْتَ العَنَا جِيْرانَا
هَا أَنْتَ يَا رَبِيْعُ جِئْتَ باسماً .... مُسْتَصْحباً آذَارَ مَعْ نَيْسانَا
تصْحبْهما كَعَاشِقِيْنِ طَالَمَا .... عَشِقَا الجَمَالَ الرَّائِعَ الفَتَّانَا
تَصْحَبْهما كَمِثْلِ طِفْلَيْنِ معاً ..... عَشِقَا الجَمَالَ الرَّائِعَ الفَتَّانَا
يَغْذُوهما أَلَقُ الحَيَاةِ وَنُوْرُها .... تَرَاهَما فِي دَوْحَةٍ فِتْيَانا
هَا أَنْتَ قَدْ جِئْتَ وَصَوْتُكَ قَدْ سَرَىْ ..... فِي دَاخِلي فَأَطْرَبَ الوِجْدَانَا
نَاديْتَنِي مِنْ خَلْفِ بُعْدٍ شَائِكٍ .... مِنْ قَلْبِكَ الذِي يَفِيضُ حَنَانَا
انْظُرْ إِلَى هَذَا الجَمَالِ وَارْتَوِ ..... خَمْراً عَتِيْقاً وَانْتَشِ سَكْرانَا
إِنَّ الرَّبِيْعَ لِلْقُلُوْبِ خَمْرةٌ .... فََاكْرَعْ كًؤُوساً وَ اتْرُكِ الأَحْزَانَا
حَلِّقْ مَعَ الأطْيَارِ وَاسْمَعْ لَحْنَها ..... وَاتْرُكْ خُمُولَكَ وَاقْصُدِ الأفْنَانَا
وَابْنِ مَقِيْلاً فَوْقَ غُصْنٍ مُزْهِرٍ . ... تَأْوِي إِلَيْهِ كَالنَّدَى أَحْيَانَا
صَاحِبْ فَرَاشَاتِ الرَّبِيْعِ كُلَّهَا .... إِنَّ الفَرَاشَ يُبْهِجُ الإنْسَانَا
وَانْشُقْ عَبِيْرَ كُلِّ زَهْرٍ مِثْلَهَا .... إِنَّ العَبِيْرَ يَفْتَحُ الأذْهَانَا
يَا أَيُّهَا الرَّبِيْعُ إِنِّي مُحْرَجٌ .... تَأْتِي الدِّيَارَ تَشْتَكِي الهِجْرَانَا
وَتُسَائِلُ الأَصْحَابَ عَنِّي أَيْنَهُ .... قَدْ كَانَ عِنْدَ قُدُومِنا يَلْقَانَا
جَئْتُ مِرَاراً غَيْرَ أَنِّيْ عَاتِبٌ .... عَلَى أَنَيْسٍ يَتْرُكُ الخِلانَا
لا يَا رَبِيْعُ مَا نَسِيْتُكَ طَرْفَةً .... رَغْمَ شَقَاءٍ فِي الدُّنَا أَعْيَانَا
غِبْتُ وَبَيْنَ جَوَانِحِيْ صُوَراً مضتْ ... مِنْ حُسْنِهَا قدْ أعْيَتِ النِّسْيَانا
مَحْفُوْرَةً كَالنَّقْشِ لَيْسَ يُزِيْلُهَا .... مَرُّ السِّنِيْنِ لَوْ جَرَتْ أَزْمَانا